الكاتب : رعد التميمي
سوق الشورجة واحد من اسواق بغداد القديمة والمهمة يعود تاريخ انشائه إلى العصر العباسي المتأخر. وكان اسمه سوق الريحانين، ثم استبدل إلى سوق العطارين واخيراً سمي سوق الشورجة.اختلف المؤرخون والباحثون في اصل تسمية الشورجة وتعددت آراؤهم، فيؤكد جلال الحنفي أن كلمة الشورجة منحدرة من كلمة (شوركاه)
أي محل الشورة أو (الماء المالح) إذ كانت محلة الشورجة قديما بئرا أو بركة ماء فحرّفت إلى الشورجة.أما الباحث سالم الآلوسي فيقول إن أصل كلمة الشورجة جاءت من (الشبرج) وهو دهن السمسم إذ كانت في السوق معاصر خاصة للسمسم والاسم ينسب إلى الشبرجة أو الشرجة التي حُرفت إلى الشورجة.وهناك رأي آخر يقول أن الشورجة هي كلمة تركية تتكون من مقطعين المقطع الاول (الشور) ويعني النهر والمقطع الثاني الـ(جه) المتكونة من حرفين فتعني (المالح)، وبذلك يكون معنى الشورجة (النهر المالح) أو النهر المالح الصغير وهذا مستند إلى القاموس التركي.
تأثيره وأهميته
وكانت فيها معالم بارزة شاخصة للعيان تهدّم وانقرض بعضها في فترات مختلفة من الزمن مثل خان الدجاج وحمام الشورجة وسوق التمارة وسوق الغزل وسوق العطارين وعلاوي الشورجة وخان مخزوم وبنات الحسن ومرقد الحسين بن الروح أحد السفراء الاربعة للامام المهدي(ع) وهو من علماء بغداد في القرون الماضية.والشورجة سوق تراثية وشعبية عند البغداديين فأغلب البيوت البغدادية تجري سعياً اليها والتبضع فيها خصوصا في أيام رمضان والمناسبات والاعياد حيث تكثر الشموع والتوابل بأنواعها ومستلزمات الاعراس والافراح كافة.وتعد المنطقة من المناطق التراثية وفي الآونة الأخيرة تعرضت بعض مبانيها القديمة للهدم مثل الخانات التراثية القديمة كخان الاغا الصغير وبعض المباني القديمة الاخرى المجاورة وقد عثر فيها على عدد من آبار الماء المالح وهذا يؤكد ان التسمية صحيحة.يضم سوق الشورجة فروعاً عدة وهي اسواق متخصصة تزيد على (19) فرعاً منها سوق الصابون وسوق التوابل وسوق القرطاسية وآخر للزجاجيات والفرفوري والفافون إلى غير ذلك. وله من الخانات 13 خاناً منها خان لاله الصغير، وخان جني مراد، وسبب تسمية الخان بـ(جني مراد) هو انه عند احتراق الخان وانهيار بعض جهاته ظهر وراءها بناء فتخيل الناس ان البناء الذي ظهر هو من عمل الجن ثم خان الامين وخان الاغا الكبير ومن الجوامع 4 جوامع منها جامع النخلة وجامع النوبجي.اما المقاهي فقد كان هناك اثنان (مقهى المعلكة) ذلك لانها تقع على سطح إحدى العلاوي، وقهوة قدوري التي كان يرتادها قراء المقام، وفيها قرأ المقام عبد الرزاق القبانجي والد الفنان المرحوم محمد القبانجي.ويعد سوق الشورجة المركز الاهم تجاريا للعاصمة بغداد وابرز مرافقها التي تجمع بين ديمومتها وارثها زاخر بالحركة ومزدحم طوال ساعات النهار وبات منذ عقود طويلة خلت اكثر الاسواق اتساعا واستقطابا للمتبضعين من كل حدب وصوب في مناطق العراق .ما ان تدخل احد ازقة الشورجة حتى تأسرك قدماك بلا ادنى شعور الى نهاية الطريق متأملا في السلع والبضائع التي لا تتشابه بل والتي يستمر تنوعها الى ما لا نهاية .وقد امتدت الشورجة اليوم الى شارع الكفاح والى محلة الكولات التي تحولت بعض دورها الى مخازن ومحال لبيع السكائر وتصريف العملة الأجنبية، كما امتدت على جانبيها الى عكد النصارى وعكد الجام .لكن الشورجة اليوم تمتد حتى شارع النهر جنوبا مروراً بخانات القماش وسوق العباءات وتصل حتى سوق الغزل وسوق السجاد .في الشورجة تأخذك رائحة الهيل والبهارات للبحث عنها، فرمضان نستدل عليه من تلك الروائح العطرة فما ان نشمها حتى نتيقن بان رمضان بيننا..والناس طالما عشقت هذه الروائح والأجواء. السيد قاسم حسين تبضع من البهارات والهيل كميات كبيرة سألناه ماحاجته بها ..؟ فأكد مبتسماً:إنها لرمضان فانا دائم التبضع من سوق الشورجة فطالما قطعت المسافة من مدينة الكوت الى بغداد لشراء هذه المواد، وهي بالطبع ليس للاستعمال الشخصي فقط بل ابيع منها لأبناء مدينتي لاسيما ان رمضان يرفل بالخير والبركة أعاده الله عليكم و على امة المسلمين بالصحة والعافية.ألم تبال بالمخاطر المحدقة ؟”يؤكد السيد قاسم:المخاطر في كل مكان فأينما حللت فثمة شيء ينتظرك والله هو الحافظ واذا ما قدر لي أمر فسيكون لا راد لأمر الله وهذه المخاطر يجب ان لا تحول بيننا و بين عملنا فالرزق يحتاج لمن يبحث عنه فالمهم قبل كل شيء ان يكون حلالاً لاشائبة فيه.
اصرف ما في الجيب
إن تدخل سوقاً ما دون ان تمد يدك الى محفظتك وتشتري شيئاً لم تضعه في حساباتك ،فذلك يعني خطأ جسيماً فهي فرصة قد لا تتكرر ..فلا يختلف اثنان في ما للتسوق من متعة وسعادة في الوقت الذي تصرف مافي الجيب وقد يأتي ولا يأتي ما في الغيب حينها ستكون خسارة ما بعدها خسارة ،لأنك ستقضي على ميزانيتك في ساعات قلائل..لكن في رمضان لا حسابات تذكر ولا ميزانية تعد مع اننا لا ندعو الى الاسواق لأن الإنفاق يبدأ ولا ينتهي الا بانتهاء هذا الشهر الكريم..فكل ماتراه العين هنا قابل للشراء..ولو كان في مقدورنا لاشترينا الأسواق بمحتوياتها..وهذا ما تفعله عادة السيدة ام محمد ولا تتردد في شراء اية حاجة تقع عليها عينها لماذا؟ سألناها وأجابت بإصرار:انه شهر رمضان حينما اذهب الى السوق لاسيما سوق الشورجة يسرقني سحره، وأجد نفسي بوعي او من دون وعي مني انفق مبلغاً كبيراً، وفي كل مرة تثور ثائرة زوجي الذي يتوعدني و يهددني و يحلف بأغلظ الإيمان انه سوف لن يرافقني مستقبلاً الى السوق، و تذهب محاولاتي سدى في إقناعه..بأن رمضان يتطلب منا تحضيرات كثيرة ..وان الاقرباء يعجبهم زيارتنا في ايام الشهر الفضيل..وهكذا استمر في محاولاتي، ويرضخ اخيراً لأمر الله وقضائه فليس في وسعه سوى الرضوخ لطلباتي مرغماً او مختاراً.. التجوال والبحث و النظر الى المعروض من البضائع و المواد الغذائية ينسيك الساعات وهي تتبخر شيئاً فشيئاً وكأن الناظر يكتشف لأول مرة ان ما معروض لم يتسن له رؤيته قبل الآن.. السيد مهدي صالح كان ينتقل من محل الى آخر فقد أدهشه كم من أشياء جديدة دخلت الاسواق لا عهد للمواطن العراقي بها..وهو يؤكد قائلاً: انا اشكر رمضان لأنه يجعلي اذهب الى السوق و ارى بأم عيني تلك السلع و المعروضات التي حرمنا منها قد لا استطيع شراءها في الأيام العادية..ولكن في رمضان اشعر بسعادة غامرة عند شرائها..وكأنني عثرت على كنز أو ما شابه ذلك.. فيبقى هذا الشهر ابو الخير..والله سبحانه و تعالى يزيد من رزقنا الحلال.